كتب الباحث السياسي الدكتور بلال اللقيس في رأي اليوم الحرب الاسرائيلية الأخيرة وامكانيات بناء دولنا لبنان نموذجا
كان ولا زال تحدي لبنان الثاني بعد عدوه الاسرائيلي هو في تعدده وإدارة التنوع، فاجتماعه اكبر من مساحته ومفاعله الاجتماعي تجاوز مقاصد من قرر ولادته و”استقلاله” من فواعل الداخل والخارج. وربما كان لهذا التقاطع الداخلي/الخارحي المركب والهجين والقاصر عن الاستشراف الكفل الأكبر مما عانى منه لبنان ولا يزال منذ قرن. ان تحدي ادارة التنوع في بيئة اقليمية مضطربة وبوجود جسم غريب توسعي وعنصري (الكيان الصهيوني) وفي عالم يعيش تحولا تاريخيا ‘ كل ذاك يجعل ادارة التنوع اخطر التحديات التي نواجهها كمجتمعات ودول. ففهم وقبول التنوع وحيوياته وادارته في عالم تتصدره مسالة “امن الهويات” على غيرها تحتاج إلى توسم ونظر.
السؤال الجوهري، هل عموم العرب وخصوص اللبنانيون فعلا امام استحالتين؛ استحالة الدولة فضلا عن استحالة الاجتماع !! ام ان ما نراه في الواقع هو امر طبيعي وتجسيد لمعنى التنوع بل والتعدد ويمكن بناء الوطن ثم الدولة عليه بانسياب وبشكل تلقائي! ام ان هذا التنوع او “اللاتشابه” كما يسميه بعض اللبنانيين يختزن دوافع مختلطة فيها بذور وإمكانيات الوحدة والتكامل كما إمكانيات الافتراق والتنافر، وهذا ما يجعله عموم بلاد العرب قلقة! وإلى اي مدى يعتبر “محك” الحرب الحضارية الجارية اليوم مع عدو الإنسانية والقوانين الطبيعية وغير الطبيعية “الاسرائيلي” عاملا مؤثرا في تثبيت او دحض دعوى ال “وحدة” او “الافتراق”. وهل يمكن ان تشكل هذه الموجة الكبرى والأخطر من المعركة الحضارية على امتنا وشعوبها ودولها عاملا مساعدا لولادة جديدة لدولنا وسبيلا لاستعادة الوجدان الشعبي العابر والعقلانية عند صاحب القرار!
وهل من دور لنا نحن ام اننا كالناظر الى المجرات يراقب ويفسر فحسب؟
ولا بأس ان تختار الحالة اللبنانية ونبحثها، اذ ربما يكون فيها من المشتركات مع غيرها من أقطارنا العربية لجهة طبيعة التنوع وفرصة العبور لبناء الدولة على وقع التحدي الذي فرضه عتو الكيان الصهيوني وقوى الهيمنة الغربية.
من نافلة القول انه إذا اراد اللبنانيون بناء اجتماعهم، ان لا يستغرقوا في الماضي القديم او الحديث بل ان يجِّدوا البحث عنه في المستقبل، فقد يجدونه. لكن المسالة تحتاج لشرط حاسم وموثوق إلى جانب المصداقية، تحتاج للغة العلم واجتناب الديماغوجية ! لبنان لا ولن يقوم إلا بلغة العلم والكياسة والتواضع للحقيقة واختبار المشترك بعقلانية والمراكمة عليه. كل الذين نبشوا التاريخ ليصلوا إلى الجذور الفينيقيية سرعان ما توقفوا عن البحث (تبين لبعضهم ان اصوله من القارة السمراء، فتراجع !). وكل الذين أرادوا الدولة لغاية افترضها هو مسبقا بما يلاقي تحيزاته فشل في بناء الدولة.
ماذا تقول لغة العلم؟
الوقائع تقول لنا ان الاجتماع اللبناني وتشكلاته مر بتحولات خطيرة في تاريخه وبالخصوص في النصف الثاني من القرن الماضي حيث كانت كثيفة وجلها كيفي.
المسيحيون جنحوا إلى القيم الغربية للحداثة بنموذجها الاحّد “الليبرالي-الرأسمالي”، تبنّت نخبهم ومدارسهم وبعض كنائسهم العقيدة الجديدة او الأيديولوجيا الليبرالية حتى صارت المنظومة القيمية الغربية ثقافة وسلوك ونمط حياة واصبحت هذه العقيدة الجديدة المؤثر الاول في تحديد اولويات الفرد المسيحي وإدراكاته وانتظاراته الفردية والجمعية وليس الدين كما درجوا عليهم في الماضي لا سيما الموارنة ‘ ولا حتى القيم المشرقية.
اما المسلمين فبلغ ذروة التفاعل مع الناصرية في تاريخهم الحديث ومع الاتجاهات اليسارية وصولا للحظة ثورة الجمهورية الإسلامية على شاه إيران حيث شهدنا حيوية استثنائية لجهة تفاعل بعضهم مع خطاب الثورة وقيمها فاستكمل البناء والخطاب المقاوم وترشد اكثر وبد مجتمع المقاومة اكثر استعداداً ورغبة لتكوين الأسرة اللبنانية مع البقية وصار لبنان بالنسبة اليهم ضرورة يجب الحفاظ عليه وعلى وحدته ونهائيته والمشاركة الفاعلة من قبلهم لاستخراج رسالته وكل ما يعمق كينونته : فالقضية هي التي تليق بإنسانية الإنسان ويجب ان تكون اقوى من اي انتماء حتى لو كان الطائفة ؛ هكذا بدأ وعي مجتمع المقاومة القريب ينفذ ويسري جيلا بعد جيل وحفت حركتهم انتصارات قّل نظيرها بوقت قصير نسبيا.
انً هذا التحول او التصعد في الإدراك والنظرة اعتبره البعض في لبنان والعالم العربي انقضاضاً على الدولة واختراقها لحصن العرب والعروبة ” المنيع” وضربا لها ورأوه هم ضرورة لبناء الدولة وتثبيتا لفكرتها وتقوية لحصن العرب وانتقالا له من العصبية إلى المدى الأوسع ومن الانغلاق إلى الافادة، فهل الانفتاح على الغرب وقيمه ليس مسا بالحصن المنيع للعروبة بينما الانفتاح على قيم ثورة إسلامية تحمل قضايا في صميم أولوياتنا وتحدياتنا هو اختراق !!. كما وسألوا وهل الدولة اطارا جامدا ! اوليست العروبة فكرة حضارية تتسع وتنهل من كل مفيد.
ان الدولة كما العروبة هي من عالم الأفكار قبل النسب واللغة والجغرافيا هي فكرة وصيغة اجتماعية تؤمن المسايرة للتحول والتصعد الانساني الفكري والعملي في سياق انساني وتحتضن طرفي الاجتماع “المجتمع والسلطة” والمجتمع وبقية المجتمعات الأخرى . أليست انسادا وسعيا لاتحاد وتكامل بدل ان تبقى جامعة أنظمة وقلق شعوب .
!! فيجب ان تكون الدولة منفتحة بل حامية ومستفيدة من كل سير فكري له جذوره ومشروعيته الحضارية ومستفيدة منه !!! وكذلك العروبة .
فالتطور الفكري والثقافي والقيمي الانساني لا يجب ان نضعه قبالة فكرة الدولة إلا اذا كنا نقصر الدولة على الموسسات والنظام والاوليغارسبة المهيمنة عليه فحسب .
فمثلا ؛ رغم نقدنا العلمي للعديد من مبادىء الثورة الفرنسية وفلسفتها وملاحظاتنا الجوهرية عليها لكن لم نعتبر من اخذ بثقافتها وقيمها انه خرج عن لبنانيته وعروبته ، دعونا نقول ان للثورة الفرنسية كما البلشفية كما غيرهما مقولات في الحرية والمساواة والإنسان والمجتمع !! .لذلك فان التنوع القائم في لبنان وفي اي من مجتمعاتنا يبقى مقبولا طالما ارتكز كل من أطرافه إلى فلسفة وفكرة لها منطقها الحضاري والأخلاقي ومشروعيتها ومكانها في الضمير والوجدان الانساني ولم تكن ارتدادا او ارتكاسا حضاريا او اخلاقيا . فلو تحول المسلمون إلى التكفير وداعش لكان هذا ارتدادا حضاريا ولو تحول المسيحيون إلى شهود يهوه او بعض اتجاهات البروتستانتية او المسيحية الصهيونية لاعتبرناه ايضا خطرا وارتدادا اخلاقيا حضاريا . وعندما ارتمى نخب العرب مطلع القرن الماضي ومنتصفه في الثقافة الغربية وعندما نحى بعض اللبنانيين الى الحداثة الليبرالية لم نخرجهم عن التنوع وقلنا انهم ربما التبس الأمر عليهم فاضواء الحداثة كثيرة واعتقدوا انه يستطيعون جمع الأضواء إلى ما لديهم ، وتفهمنا ذلك واعتبرناه جزءا من التنوع . والحق يقال انه اذا قبلنا بالتنوع المستقى من الحداثة فالأوْلى ان نقبل بالتنوع المستقى من تجديد الفكر الديني الذي مثله طرح القائد والمفكر الاسلامي التاريخي روح الله الموسوي الخميني .
واذا اردنا ان نناقش بعدها فنناقش بمقدار ما يؤثر الانتماء الفكري في السلوك السياسي للأطراف في بناء الدولة وتقويمها من عدمه وإعطاء العروبة دفعا وقيمة ومكانة من عدمه ! هنا يمكن النقاش بل لا بد منه .
بعد هذه المقدمة الضرورية والحاكمة .
ان المقاومة بالنسبة لشريحة كبرى من اللبنانيين هي التجلي العملي لانتمائهم وفهمهم الديني، المقاومة بالنسبة اليهم هي روح الدين في زمن لم يترك المستكبر فيه مكانا للتنوع ولا لصوت آخر . المقاومة هي نداء حق مستمر وان بكيفيات عدة، تارة بوجه سلطان جائر حيث تصير اعظم الجهاد وطورا بانفاق مال ونبذ جاه وسلطان وطورا ثالثا تضحية بالنفس واحيانا رابعة ان نقبل على الله مظلومين حفظا لوحدة ودرءا لفتنة و … المقاومة ليست سيفا لا يغمد ولا مظلوما لا يدفع ضيما .
وعليه فان المسالة في لبنان ليست كما يصور البعض بتسطيح بين من ينفر من القتال ويحب الصلب في مقابل من يحب السيف ويكره الحياة ، بكلمة اخرى ليست بين من لا يغادر السيف ومن لا يغادر الصليب ، المسالة ليست كذلك البتة ولم تكن كذلك يوما في تاريخ لبنان . المسالة تكمن في فهم الواقع وتشخيصه وتحديد المسوولية اي انها سياسية اولا فثقافية ( باعتبار ان الثقافة هي منظورك لإدراك الامور) كما سنوضح .
فعند التشخيص للعدو تتداخل الهوية الثقافية للأفراد والجماعات بالتقدير السياسي وقراءة الواقع وبناء الموقف ، فكل يعمل على شاكلته ، فالذي يقرأ بخلفية وأدوات معرفية ليبرالية ونيوليبرالية سيختلف عمن يقرأ بخلفية واقعية ودينية اخلاقية حتى لو افترضنا حسن النيّة عند كل منهما وترفع كليهما عن الاغراض والمطامع . ماذا يعني ذلك ، يعني اننا لا نستطيع ان ننكر اختلاف الدوافع كما المؤمل وطريقة بلوغه بين الطرفين ، فالاول المتأثر بالثقافة الليبرالية سيغلب أصالة المصلحة المباشرة بينما الثاني يغلب أصالة الحق ويعطف عليها المصلحة . الاول يغلب الحسابات المادية التكميمية الثاني يرى أبعادا اشمل منها معنوية وكيفية ويعتبرها الاصل . الاول يقترب في مفهومه للحياة بانها عيش و”فرح “بينما الثاني يراها سعادة ومسوولية ، الاول يحلل من منظور نسبية الحداثة والثاني بقدسية الحق (دون جمود أدوات بلوغه) . الاول يرى ان الضعف قوة الثاني يرى ان هذا المنطق قد لا يستقيم حتى في العلاقات العائلية لكن ليس في عالم قوى الهيمنة والابادة والتمييز العنصري والفتن والقتل والإضطهاد ، الاول يرى الغرب هو التقدم بينما الثاني يراه متقدم تقنيا ومتخلف انسانيا وان الدين بأصالته وصفائه هو التقدم الحضاري ، الاول يغلب الأضواء في معيار التقدم والثاني يراه في الانوار اولا .
الاول ينظر لإسرائيل كما لخصومه من العرب بينما الثاني يميز بين العدو الصهيوني واي خصم آخر ( حتى لو استفحلت الخلافات ) .
الاول يرى الدولة أشبه بمؤسسة تسيير شؤون الحياة بينما يراها الثاني بناء اجتماعي وسياسي اولا .
الاول يرى لبنان رسالته وجود التلاقي ، الثاني ينظر في فاعلية هذا التلاقي والتنوع .
نعود ونقول ؛ رغم ما يبدو من تباين وزوجيات كما راينا منذ نشوؤ الكيان اللبناني واعطائهم استقلاله . لكن هذا لم يعن البتة ان هذه الزوحيات متنافرة ولا يمكن ايجاد المشتركات بينها وجسرها بتدرج .
طوفان الاقصى … هل من فرصة !!
كيف ترانا ندرك طوفان الأقصى والحرب الاسرائيلية على لبنان ؟
ان طوفان الأقصى طرح مشكلة التنوع مجددا والقرار في الدولة اللبنانية بحدة في الأيام الاولى (لكن لوحظ انه عاد وتراجعت نسبيا) ، ربما بعدما اتضح الهدف الإسرائيلي وانتقاله في حربه من غزة إلى لبنان وإعلان العدو مخططه دون تحفظ انه كان يريد مهاجمة لبنان ، وربما لكونه اتضح خلفية ودافع المقاومة وحزب الله على وجه التحديد في حرصه للحظة الأخيرة على تجنيب لبنان بينما يريد إسناد غزة ، وربما بعد ان جاب احرار العالم العواصم وأدانوا التوحش الصهيوني والجرائم والابادات وكان ان اسقطوا مرشحا ديمقراطيا في اميركاً ومشهد الشواذ الذي صارت عليه “إسرائيل” في عيون البشريّة وصلت ان أصدرت محكمة الجنايات حكمها كنوع من الاشمئزاز و”القرف” من سلوك هذا الكيان .
وايضاً لاحظنا في المقابل الاخر ان المسيحيين الذين لم تشكل فلسطين وقضيتها هوى لهم ولا اهتمام تاريخي ( لا اقصد الاحزاب العلمانية ) تراهم عادوا خطوة إلى الوراء واصطفوا اجتماعياً ووطنيا مع اهل مقاومتهم ( يبقى هناك نتوءات لكن نحن نتحدث عن الاعم الأغلب) ففتحوا بيوتهم واظهروا وطنيتهم وأخلاقهم الجماعية التي تستحث فيهم ان لا يخذلوا حقا ولا ينصروا عدوا عنصريا قاتلا كالكيان الصهيوني.
فالواقع اللبناني عموما وبغالبيته المطلقة عاد وتبنى الانحياز العام للقضية الفلسطينية بالسلوك التضامني بدل المراهنة على العدو ؛ ولو جاء بعضهم متاخرا بعض الشيء . انك امام اجماع إسلامي عارم منذ الايام الاولى مع تفهم مسيحي وتأييد معقول للموقف من غزة ومقبول من الدفاع عن لبنان ، وهذا الأمر يبنى عليه للمستقبل ، ويرخي بظلاله على لبنان بما يؤدي إلى ولادة ثالثة من رحم هذه الحرب ( ليس بالضرورة تغيير دستوري انما المقصود تعديل في مسار بناء الثقة الاجتماعية والنظرة والشعور بالذات الوطنية واهمية لبنان في محيطه العربي وموقع المقاومة فيه والشعب المقاوم وميزة أبنائه وعظيم قدرة هذا البلد الصغير .
فاللبنانيون عموما عند هذا المحك التاريخي وحتى لحظة كتابة المقال تعاطوا بروح وطنية وتضامن عام في وجه عدوهم وعدو البشرية . ان مسالة النزوح اليوم والموقف التضامني هي نصف الحرب والمقاومة المسلحة هي الجزء الثاني . لذلك نعتقد ان هذا التكامل الذي افترض انه انطلق من دوافع وطنية وسياسة فضلا عن إنسانية ودينية وضع النقاش التاريخيّ في لبنان في نصابه ، فجعل منه التنوع الذي يؤسس لأرضية تثبيت الكيان . فعندما نجح اللبنانيون بصد اكبر هجوم أمريكي غربي إسرائيلي في التاريخ الحديث ومنعوا العدو من احتلال شبر من الارض ، فهذا نجاح وتثبيت للكيان اللبناني ككيان وتمييز له . وعندما تمكنوا ان يضمدوا جراحهم ويقفوا ويستعيدوا المبادرة في هذه المعركة فهذا يعني ان لبنان بلد “معجزة” ، وعندما ينفضوا عن ثيابهم لوثة تاريخية وصموا واتهموا بها ذات يوم من فضائهم العربي ؛ واذ بهم الوحيدين الذين قصفوا تل ابيب وحيفا ودافعوا عن فلسطين ونصروها ، فمن الان لا مكان ليزايد احد على لبنان ومكوناته ولا يتهمه بل هو لبنان من يمتلك لياقة ان يحاسب ويتهم الآخرين ، ناهيك ان لبنان لم ولن يعد نقطة الضعف التي تنفّس فيها الأنظمة العربية مشاكلها بدعوى “خيانته” وانحيازه لإسرائيل والغرب . اليوم لبنان بمسلمين ومسيحييه وقف وضحى وقدم ، لذلك صار العرب في موقع السوال والنقد وليس نحن ، علما ان كل ذلك حصل والكلفة الثقيلة كانت على بعضه وليس على كله ، لكن عدم معارضة اصحاب الثقل القليل يجعلهم في موقف القوي ويكسبهم مع لبنان حين يحين المغنم نتيجة هذا الثبات الأسطوري والروح الوطنية الجامعة .
فطوفان الأقصى وموقف لبنان المتقدم نصرة لفلسطين ولد ضميرا وحسا مشتركا في الامة كل الامة وفي داخل الأقطار واعطى لاجتماعنا المدى الانساني والاخلاقي ، واعطى للبنان قيمة إلى جانب القضية الفلسطينية في دوره عقلنة تفكير كثير من انظمتنا العربية المخدرة والتائهة عن مصالحها منذ زمن . وسيؤسس هذا الصمود الأسطوري لتداعيات كبرى تجعل موجة التحرر تعلو وتتعمق وتتمدد اقليميا وعالميا ،
اما لماذا لبنان استطاع ان ينجز ما عجز عنه العرب ، فهذا بحث آخر !!
نختم فنقول ، ان تنوعنا في لبنان يحمل بذور اللحمة والفرقة في ان.
ولسوء حظ اللبنانيين ان ساستهم لم يهتدوا الى عظيم مسار التكامل والتعارف منذ تاسيسه واشتغلوا لاجتناب المشترك والاستغراق في التمييز الداخلي فضلا عن الخارجي ، ومما لا شك فيه ان تحولات القرن الماضي التي اصابت لبنان عند المسلمين والمسيحيين لا شك انها طالت الثقافة والقيم فاثرت وتؤثر على إدراكات الطرفين للقضايا والعالم من حولهم والموقف منها ..فأثرت على السياسة ومنظوراتها . لكن امام هذه اللحظة الحضارية الفاصلة من العدوان الصهيوني فنحن فعلا امام اكبر فرصة لترجيح وتعميق إمكانيات اجتماعنا على قاعدة التنوع بدل ترديد شعارات التباعد . هنا يمكن للبنان ورسالته ان تتمظهر وتتجلى لتبنى كنقيض لإسرائيل بالمعنى الحضاري والفكري ، وككيان متميز عن غيره من الدول العربية في حيويته وحضوره وهويته . لذلك ان نجاحنا في هذا التحدي الذي أعلنته اسراءيل صراع وجود ومعركة حضارية بين الغرب وبيننا ، ان نجاجنا وصمودنا وتآزرنا في هذه المعركة التاريخية حتى لو غلت الكلفة سيعود ربحا كبيرا وبعيد الاثر على كل حال ويؤسس لثقافة وتربية ومنطق ارشد في قيام لبنان وكينونته فالحروب مع العدو فرصة لتربية وتنشئة مجتمعات وإنتاج احد عمودي بناء الهوية فكيف إذا كانت الحرب مع عدو توسعي معاد للإنسانية قتال!! . وسيشكل التضامن والتكاتف في هذه اللحظة التاريخية مدخلا لاعادة مفهمة معنى التنوع والتعدد والصحيح منها من السقيم ويطلق دينامية جديدة في لبنان امام عالم كل شيء فيه يتحول !. التحدي اليوم هو كيف نستغل ونعمق هذا التنوع الجميل ونبقي التنافس لاحقا بيننا بأبعد مدى لجهة على الشرعية الشعبية والفاعلية والتأثير في لبنان والاقليم والعالم من خلال النموذج . هذه المعركة الأخلاقية وتعاطي الغالبية من اللبنانيين معها فتحت طريقا واسعا في جدار العلاقة بين مكوناته واسست لنبذ منطق الاصطراع الداخلي على الزعامة لحساب التوحد في مقابل الاخر العدو . وهذا منطق جديد في لبنان يختلف عن منطق ١٩٨٢ عندما كانت اسراءيل تحتل في ساعات العاصمة وكان البعض يلاقيها وينسق معها على حساب شريكه . اظن ان هذه المعركة التاريخية ثبتت لبنان في ذكرى استقلاله وتركت لاحقا للتنافس الداخلي مدته ، لان التنافس بلا كينونة تشظي ! .ولا باس لاحقا ان نجد السعي لتشذيب خطابنا وعقلنة مقارباتنا في السياسة لابعد مدى ممكن ، فنجاحنا في معركة الوجدان هي مقدمة لنجاحنا في معركة بناء الموسسات وعقلنة الاجتماع ودخول لحظة الدولة فعليا وليس شكليا فحسب . ان معركة لبنان اليوم بوجه عدوه ليست درسا قانونيا ودستوريا رغم اهمية الدستور بل درسا عمليا تطبيقيا يتيح فهم افضل وأوثق لدستورنا ، وهذا الدرس او هذا السير سيساعدنا حتما نحو تحديد الذات تدريجيا وبناء الارادة العامة غير المعرّفة منذ نشوو لبنان .
لذلك فنلعقلن السياسة ولنريح الثقافة ونعطيها مداها الاخلاقي الانساني لان التنوع الذي قبلناه في لبنان هو التنوع الثقافي وليس السياسي فحسب ، ونظن انه يحمل بذاته ضمانته الاخلاقية الإنسانية الإيمانية النابعة من مقصد الاسلام والمسيحية باعتبار ان الشعب اللبناني شعب مومن بالدين ويعرف معنى الحق ولم تلتبس على غالبيته منظومة المعاني الأخلاقية حتى الان . وهذا ما يؤهلنا للحوار والتعارف الحضاري رغم الصعوبات ورغم ترويج بعض القلة من الطرفين لنظرية اللاتشابه والتي لم يظهر انها تعبر عن الارادة العامة اللبنانية.
كاتب لبناني
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها